فصل: من فوائد القرطبي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}.
قال بعض العلماء: هذا أمر من الله تعالى ومعناه احفظوا أنفسكم من ملابسة الذنوب والإصرار على المعاصي لأنك إذا قلت عليك زيدًا معناه الزم زيدًا وقيل معناه عليكم أنفسكم فأصلحوا واعملوا في خلاصها من عذاب الله عز وجل.
وانظروا لها ما يقربها من الله عز وجل.
لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، يعني لا يضركم كفر من كفر إذا كنتم مهتدين وأطعتم الله عز وجل فيما أمركم به ونهاكم عنه.
قال سعيد بن جبير ومجاهد: نزلت هذه الآية في أهل الكتاب اليهود والنصارى يعني عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من أهل الكتاب فخذوا منهم الجزية واتركوهم.
وقيل: لما قبلت الجزية من أهل الكتاب قال بعض الكفار: كيف تقبل الجزية من بعض دون بعض؟ فنزلت هذه الآية.
وقيل: إن المؤمنين كان يشتد عليهم بقاء الكفار على كفرهم فقيل لهم: عليكم أنفسكم واجتهدوا في صلاحهم لا يضركم ضلال الضالين ولا جهل الجاهلين إذا كنتم مهتدين.
فإن قلت هل يدل ظاهر هذه الآية على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قلت: لا يدل على ذلك والذي عليه أكثر الناس أن المطيع لربه عزَّ وجل لا يكون مؤاخذًا بذنوب أصحاب المعاصي فأما وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فثابت بدليل الكتاب والسنة.
عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضلَّ إذا اهتديتم} ولا تضعونها موضعها ولا تدرون ما هي وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا ظالمًا فلم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم الله بعقاب منه» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وأخرجه أبو داود زاد فيه: «ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ولا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب».
وقال قوم في معنى الآية عليكم أنفسكم إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم قال ابن مسعود مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قبل منكم فإن رد عليكم فعليكم أنفسكم، ثم قال: إن القرآن نزل منه أي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ومنه أي وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه أي وقع تأويلهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير ومنه أي يقع تأويلهن في آخر الزمان ومنه أي يقع تأويلهن يوم القيامة وهو ما ذكر من الحساب والجنة والنار فما دامت قلوبكم وأهواؤكم واحدة لم تلبسوا شيعًا ولم يذق بعضكم بأس بعض فامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإذا اختلفت قلوبكم وأهواؤكم وألبستم شيعًا وأذيق بعضكم بأس بعض فأمرؤ ونفسه فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية.
وقيل لابن عمر لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه فإن الله يقول: {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا هتديتم} فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا ليبلغ الشاهد الغائب فكنا نحن الشهود وأنت الغائب ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم.
وعن أبي أمية الشعباني قال أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف نصنع بهذه الآية قال: أية آية قلت {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرًا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحًا مطاعًا وهوى متبعًا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام فإن من ورائكم أيام الصبر فمن صبر فيهن قبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم».
وفي رواية: «قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلًا منا أو منهم، قال: لا بل أجر خمسين منكم» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وقيل في معنى الآية: إن العبد إذا عمل بطاعة الله واجتنب نواهيه لا يضره من ضل.
وقال ابن عباس: قوله: {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} يقول إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده إذا عمل بما أمرته به وعن صفوان بن محرز قال: دخل عليَّ شاب من أصحاب الأهواء فذكر شيئًا من أمره فقلت له: ألا أدلك على خاصة الله التي خص بها أوليائه {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وقال الحسن: لم يكن مؤمن فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله.
وقيل في معنى الآية: لا يضركم من كفر بالله وحاد عن قصد السبيل من أهل الكتاب إذا اهتديتم أنتم.
قال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في أهل الكتاب.
وقال ابن زيد: كان الرجل إذا أسلم قالوا له سفهت آباءكم وضللتم وفعلت وفعلت وكان ينبغي لك أن تنصرهم وتفعل وتفعل فقال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال الطبري: وأولى هذه الأقوال وأصح التأويلات عندنا في هذه الآية ما روي عن أبي بكر الصديق وهو العمل بطاعة الله وأداء ما لزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم لأن الله تعالى يقول: {وتعاونوا على البر والتقوى} ومن التعاون على البر والتقوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم حتى يرجع عن ظلمه.
وقال عبد الله بن المبارك: هذه الآية أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن الله تعالى قال: عليكم أنفسكم يعني أهل دينكم بأن يعظ بعضكم بعضًا ويرغبه في الخيرات وينفره عن القبائح والمكروهات والذي يؤكد ذلك أن معنى قوله: عليكم أنفسكم أي احفظوا أنفسكم وهذا أمر بأن نحفظ أنفسنا ولا يتم ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والله أعلم.
وقوله تعالى: {إلى الله مرجعكم جميعًا} يعني في الآخرة الطائع والعاصي والضال والمهتدي {فينبئكم بما كنتم تعملون} يعني فيخبركم بأعمالكم ويجزيكم عليها. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}.
فيه أربع مسائل:
الأُولى قال علماؤنا: وجه اتصال هذه الآية بما قبلها التحذير مما يجب أن يحذر منه، وهو حال من تقدّمت صفته ممن رَكَن في دينه إلى تقليد آبائه وأسلافه.
وظاهر هذه الآية يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس القيام به بواجب إذا استقام الإنسان، وأنه لا يؤاخذ أحدٌ بذنب غيره، لولا ما ورد من تفسيرها في السنة وأقاويل الصحابة والتابعين على ما نذكره بحول الله تعالى.
الثانية قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} معناه احفظوا أنفسكم من المعاصي؛ تقول عليك زيدًا بمعنى الزم زيدًا؛ ولا يجوز عليه زيدًا، بل إنما يجري هذا في المخاطبة في ثلاثة ألفاظ؛ عليك زيدًا أي خذ زيدًا، وعندك عمرًا أي حضرك، ودونك زيدًا أي قَرُب منك؛ وأنشد:
يا أيّها المَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا

وأما قوله: عليه رجلًا لَيْسَنِي، فشاذّ.
الثالثة روى أبو داود والترمذيّ وغيرهما عن قيس قال: خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: إنكم تقرؤون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأُوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح؛ قال إسحاق بن إبراهيم سمعت عمرو بن عليّ يقول سمعت وَكِيعًا يقول: لا يصح عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حديث واحد، قلت: ولا إسماعيل عن قيس، قال: إن إسماعيل روى عن قيس موقوفًا.
قال النقاش: وهذا إفراط من وَكِيع؛ رواه شعبة عن سفيان وإسحاق عن إسماعيل مرفوعًا؛ وروى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي أُمية الشعبانيّ قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ فقال: أية آية؟ قلت قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم} قال أما واللَّهِ لقد سألتَ عنها خبيرًا، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف وتَناهوا عن المنكر حتى إذا رأيتَ شُحّا مُطاعًا وهَوًى مُتَّبعًا ودنيا مُؤثَرة وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه فعليك بخاصّة نفسك ودع عنك أمر العامّة فإنّ من ورائكم أيامًا الصبرُ فيهنّ مثلُ القبض على الجمر للعامل فيهنّ مثلُ أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم». وفي رواية قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: «بل أجر خمسين منكم». قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
قال ابن عبد البر قوله: «بل منكم» هذه اللفظة قد سكت عنها بعض الرواة فلم يذكرها، وقد تقدم.
وروى الترمذيّ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم في زمان من ترَك منكم عُشْر ما أمر به هلك ثم يأتي زمان من عمل منهم بعُشْر ما أُمِر به نجا» قال: هذا حديث غريب.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: ليس هذا بزمان هذه الآية: قولوا الحق ما قُبِل منكم، فإذا رُدّ عليكم فعليكم أنفسكم.
وقيل لابن عمر في بعض أوقات الفتن: لو تركت القول في هذه الأيام فلم تأمرْ ولم تَنهَ؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: «ليبلغ الشاهدُ الغائبَ» ونحن شهدنا فيلزمنا أن نبلغكم، وسيأتي زمان إذا قيل فيه الحقُّ لم يُقبل.
في رواية عن ابن عمر بعد قوله: «ليبلّغ الشاهدُ الغائب» فكنا نحن الشهود وأنتم الغُيَّب، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا، لم يقبل منهم.
وقال ابن المبارك قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} خطاب لجميع المؤمنين، أي عليكم أهل دينكم؛ كقوله تعالى: {وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ} فكأنّه قال: ليأمر بعضكم بعضًا؛ وليْنَه بعضكم بعضًا؛ فهو دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يضركم ضلال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب؛ وهذا لأن الأمر بالمعروف يجري مع المسلمين من أهل العصيان كما تقدّم؛ وروي معنى هذا عن سعيد بن جبير.
وقال سعيد بن المسيب: معنى الآية لا يضركم من ضل إذا اهتديتم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال ابن خُوَيزِمَنْدَاد: تضمنت الآية اشتغال الإنسان بخاصة نفسه، وتركه التعرض لمعائب الناس، والبحث عن أحوالهم؛ فإنهم لا يسألون عن حاله فلا يسأل عن حالهم وهذا كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} [الأنعام: 164 وفاطر: 18].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كن جليس بيتك وعليك بخاصة نفسك» ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فينكر بقلبه، ويشتغل بإصلاح نفسه.
قلت: قد جاء حديث غريب رواه ابن لَهِيعة: قال حدثنا بكر بن سَوَادَة الجُذاميّ عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان رأس مائتين فلا تأمر بمعروف ولا تنه عن منكر وعليك بخاصة نفسك» قال علماؤنا: إنما قال عليه السلام ذلك لتغير الزمان، وفساد الأحوال، وقلة المعينين.